-A +A
أسامة يماني
صور المتأخرون المسيحية بشكل سلبي بعيداً عن مفهوم السماحة والمحبة الإنسانية التي يدعونا ديننا بها. ولو رجعنا إلى التأريخ لوجدنا كثيراً من الصور المضيئة في هذا الجانب. فقد كانت أغلب بلاد الشام في الدولة الأموية، سيما في القرى والأرياف، مسيحية سواءً كانت عربية أم سريانية. يقول الجاثليق إيشوعهيب الثالث جاثليق بابل وتوابعها لكنيسة المشرق «إنهم ليسوا أعداء النصرانية، بل يمتدحون ملتنا، ويوقرون قسيسينا وقديسنا، ويمدون يد المعونة إلى كنائسنا وأديرتنا».

الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان لقبه سكان سوريا «بالمستنير السمح» كما جاء في الطبري والمسعودي. وكان طبيبه ووزير ماليته مسيحياً وشاعر بلاطه أيضًا، الذي يعادل تقريبًا في الوقت الحاضر وزارة الإعلام. كما عيّن والياً على حمص مسيحياً يدعى ابن آثال، وهذا يدل على مدى التسامح المنقطع النظير في العصور الإسلامية الأولى للدولة الإسلامية. وكان معاوية -رضي الله عنه- يجلس إلى جماعات المسيحيين من المذاهب المختلفة ويستمع إلى جدلهم الديني ومناقشاتهم المختلفة.


عيد الكريسماس هو عيد ميلاد المسيح عليه الصلاة والسلام الذي يُحتفل به في 24 ديسمبر، إن القرآن الكريم سجل ولادة المسيح عليه السلام من العذراء، في سورة مريم «وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا.. فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا.. قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا.. قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا.. قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا.. قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا.. فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا». كما يقرر القرآن أن ولادة المسيح كانت بمعجزة يرويها القرآن كما يأتي: «فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت (مريم) يا ليتنى متُّ قبل هذا وكنتُ نسياً منسيّاً. فناداها من تحتها ألاّ تحزني قد جعل ربّك تحتك سريّاً (جدولاً صغيراً يجري ماؤه). وهزّي إليك بجذع النخلة تساقط عليكِ رُطباً (تمراً طازجاً) جنيّاً (طريّاً ناضجاً). فكُلي واشربي وقرّي عيناً» (سورة مريم، 23-26). ومن هذه الآيات يظهر لنا أن ميلاد المسيح عليه السلام كان في فصل الشتاء.

وقد نوه وأشار القرآن إلى عظم هذا الحدث، قال تعالى: «إنّي عبد الله أتاني الكتاب (أي الإنجيل) وجعلني نبيّاً وجعلني مبارَكاً.. والسّلام علي يوم وُلدتُ ويوم أموتُ ويوم أُبعثُ حيّاً» (سورة مريم، 29-33). وقد أصدرت دار الإفتاء المصرية في فتوى رسمية على موقعها الإلكتروني، للدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية، حول حكم الاحتفال بالكريسماس، وحكم الاحتفال برأس السنة الميلادية، أن «صورة المشابهة لا تضر إذا تعلق بها صالح العباد، ما لم يلزم من ذلك الإقرار على عقائد مخالفة للإسلام، فضلا عن موافقة ذلك للمولد المعجز لسيدنا المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، الذي خلده القرآن الكريم وأمر بالتذكير به على جهة العموم بوصفه من أيام الله، وعلى جهة الخصوص بوصفه يوم سلام على البشرية».

المسيحيون الأوائل لم يكونوا يحتفلون بيوم مولد المسيح. وينقل «هربرت أرمسترونج» عن دائرة المعارف الأمريكية في طبعة 1944م قولها: «وفي القرن الرابع الميلادي بدأ الاحتفال لتخليد ذكرى هذا الحدث أي ميلاد المسيح، وفي القرن الخامس أمرت الكنيسة الغربية بأن يحتفل به إلى الأبد في يوم الاحتفال الروماني القديم بميلاد «سول»، نظراً لعدم معرفة ميلاد المسيح معرفة مؤكدة». ويظهر من هذا أن الاحتفال بعيد ميلاد المسيح لا يتعلق بالعقيدة وإنما مجرد تخليد وذكرى لهذا الحدث العظيم.

أمرنا الله -عز وجل- أن نقول الحسنى لكل الناس دون تفريق، قال تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً). ومع ذلك نجد كثيراً من المتأخرين يقولون بخلاف ما يأمرنا به القرآن من حسن الخلق مع الآخر. لقد سعى هؤلاء بقصد أو بدون قصد لبث الكراهية والفرقة والتنافر ورفض الآخر، حتى أصبح هذا الأمر سلوكا متبعا من البعض وثقافة مؤثرة في العقل الجمعي.

الأخلاق والقيم سند ورصيد أي حضارة، فلا يمكن أن تقوم إلا بها. وقد صدق الشاعر أحمد شوقي حين قال: «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا». لذلك نقول لكل من يبثون الكراهية والبغضاء والضغينة، إن ديننا دين أخلاق وحسن تعامل وسلام على الإنسانية. وختامًا: سلامًا على من سلم الله عليه في يوم مولده وفي مرقده ومبعثه.